الاثنين، 7 سبتمبر 2009

مؤشر على انحدار مستوى المعيشة

عائلات بكاملها تقتات من مطاعم الرحمة والقمامات









تزاحم عائلات بكامل تعدادها المشردين والمتسولين في مطاعم الرحمة في طوابيرلا تنته. ساعة قبل الإفطار في حي بلكور الشعبي، كان التجار يحزمون سلعهم تاركين قمامات مثل الجبال وسط روائح قضت على تلك التي كان يتميز بها رمضان في الحي العتيق.

انتشر المتسولون الواحد تلو الآخر، هذا يستعطف المارة بالدعاء وتلك بالأطفال الرضع وأولئك لم يقدروا على الوقوف فرموا بجثتهم على الحائط المقابل لمسجد المؤمنين، قبل أن يتّجه جميع المتسولين إلى أحد مطاعم الرحمة بالحي أو ذلك الموازي لمستشفى مصطفى باشا، تاركين شيخا اشتعل رأسه شيبا يبحث بين القمامة عن بعض الخضر والفواكه التي رمى بها التجار قبل أن يلتحق بالمتسولين لاحقا إلى المطعم. وفي حي ميسوني عند مدخل السوق اليومي، تتزاحم بعض النسوة على أكوام القمامة للظفر ببعض الخضر وعظام اللحم، أمام نظرات مستغربة لبعض المارة للمستوى الذي وصلت فيه المعيشة في الجزائر. وذكر كثير ممن التقيناهم أن مطعم عمال السكك الحديدية تحوّل إلى مطعم للمتشردين الذين يفضلونه دون سواه. أما العمال من الولايات الداخلية فيفضلون الاتجاه إلى مطاعم أخرى.

كان الطابور عن آخره بأحد المطاعم بشارع حسيبة بن بوعلي. متسولون ومشردون يحملون قطعة من ''كرطون'' وثياب رثة وسط شجارات بعض الأطفال الذين كانوا يلعبون، جاهلين المصير الذي ينتظرهم مع ''الميزيرية''. في حين اجتهدت بعض النسوة في تغطية وجوههن بـ ''الحايك'' أو''الخمار'' ربما هروبا من نظرات الناس أو حتى لا يتم التعرف عليهن، لأن الدخول إلى مطعم الرحمة معرة عند كثير من الجزائريين، خاصة أن بعض العائلات جاءت لتوها من محطة المسافرين بالخروبة ولم يكفها الوقت لمواصلة سفرها. واستغربت إحدى المشردات وجود بعض الأشخاص وصفتهم بأصحاب ''البطون المنتفخة'' يزاحمون المتسولين في صحن شربة، إذ لا تبدو عليهم آثار الحاجة أو الفقر. فالبعض منهم، حسب ما قيل لنا، أساتذة وعمال يعيشون على صدقات مطاعم الرحمة، في ظل غلاء المعيشة وزهد الأجور التي أضحت لا تلبي حاجيات كل العائلة.

لم يبق من الوقت إلا ربع ساعة، بدا الزحام في الطابور والشجارات والمناوشات حول الدور يشتد ويعلو صراخ أحد المشردين الذي شرع في استخدام أكتافه لتجاوز أقرانه، في حين أن البعض علّق قائلا ''صاحبنا ربما غلبه رمضان ولم يتحمل الانتظار طويلا''؟

ومباشرة بعد الآذان تحول الضجيج خارج المطعم إلى قرع ''للمعالق'' و''الصحون'' في سيمفونية تتقاطع مع الجوع والعطش والفقر، مع تسجيل عودة بعض الألوان على الوجوه بعدما زاحم الاحمرار تلك الصفرة التي تلاحق فقراء العاصمة وانتفخت البطون وعادت الابتسامة أخيرا إليهم وتصاعدت التعاليق والأحاديث عن غلاء المعيشة وزكاة الفطر التي حددتها وزارة الشؤون الدينية بـ 100 دينار للفرد وعن أنفلونزا الخنازير التي لم تمنعهم من الولوج إلى مطاعم الرحمة، وكذا الحديث عن بعض المطاعم التي تقدّم وجبات خاصة بالسحور مثل مطعم بالقصبة، يقدم بالإضافة إلى وجبة الإفطار وجبة السحور، وهي عبارة عن طبق كسكسي باللبن أو الزبيب.

وبعد ربع ساعة فقط كانت معركة مطعم الرحمة قد انتهت بعد التهام 500 وجبة، ليعلق مسيّر المطعم أنه يحقق أرقاما قياسية في أكل الشربة، أما الخبز فحدث ولا حرج. مضيفا ''نفس السيناريو يتكرر كل يوم في رمضان، طابور ثم شجارات ثم أكل وانصراف'' ليختم قوله متحسرا ''يا حليل الناس ما لقاتش واش تاكل''.





 المصدر :الجزائر: موهوب رفيق

2009-09-07



قراءة المقال 1332 مرة